Thursday, February 28, 2019

عن المجموعة القصصية لا عزاء _ موقع مبتدأ_الكاتب يسري مصطفى

لا عزاء




يسرى مصطفى‎
"لا عزاء" مجموعة قصصية للكاتبة ياسمين إمام، صادرة عن الهيئة المصرية العامة للكتاب 2017، وقد اختارت الكاتبة، كالعادة، عنوان أحد القصص "لا عزاء" ، لتكون عنوانا لمجموعتها، وعلى ما يبدو أنها أحسنت الاختيار، ليس لأن قصة لا عزاء تمييز عن غيرها من القصص، لكن لأن هذه التسمية هى أفضل تعبير عن محتوى العمل فى مجمله، فهذه المجموعة هى تنويعات قصصية للفقد والافتقاد والرحيل.

وأتصور أن هذا العمل من الأعمال التى يسهل على القارئ أن يمسك بالخيط الناظم لمسار السرد، فالقارئ يبدأ من لحظات قد تكون مُتخيلة أو واقعية ثم يتحرك سريعا نحو نهايات قد يتوقعها أو يتفاجأ بها، ولكنها بالفعل نهايات لعلاقات لا تكتمل. ولأنها مسارات متسارعة نحو الفقد والافتقاد والرحيل، فإن بنية السرد تأتى سريعة وقصيرة وكأنها أنفاس متقطعة أو نبض متسارع.


قد تكون الحكاية واقع يمتزج بخيال، أو واقع يمتزج بذاته فتكون الحكاية حدث. ونلحظ هذا التنوع فى أساليب السرد حيث تختلط الفصحى بالعامية. ففى قصتها الأولى "أين ذهب الليل" تأتينا إشارة من الزمن الماضى بأغنية "ياليل ياعين" قبل أن نعلم أن الأغنية ستتحول إلى بكائية فى زمن الحدث والذى سيأتى كلحن متقطع فيه الولادة والفرح ثم الفقد. ولكن الفقد ليس مجرد حدث عابر، بل قدر ففى كل بيت "ليلٌ ضاع، وعينٌ فقدت.

وفى قصة أخرى "بنت صغيرة" تأتى سردية الفقد كصراع نفسى بين البنت الكبيرة (الأنا العليا)، والبنت الصغيرة (الأنا)، هذا الصراع الذى يفضى إلى أن تتحول الفتاة إلى "هى" رافضة خارجها وداخلها، فى محاولة للتصالح مع ذاتها فى عزلتها: "البنت الصغيرة عيطت، رمت صورته من الشباك، وخاصمت البنت الكبيرة، وبقت كل يوم تطبطب على نفسها، وتحكليها حدوتة عن جبيبها الحقيقى اللى لسه ما جاش".

وقد يكون الفقد متأصل فى وعى مرتبك تتنازعه القيم فتحيط الشخص بأسلاك شائكة، فيصبح كالغيم الذى يغلف العلاقة فيكبتها، ولا يتبقى سوى الرحيل الباكى. وقد يكون الفقد رؤيا تستبق الأحداث كهذا الذى يستشرف الفقد فى مرآة غده فى قصة "سطوة عكسية"، حيث يبلغه مصيره بأنه لن يحقق أهدافه ولن يصل إلى بر الأمان، حيث لا يوجد للآمان بر.

وفى العالم الافتراضى فى قصة "هل مازلت هناك" يكشف الفقد عن ذاته فى التواصل المكبوت، حتى المشاعر الحقيقة تظل حبيسة صندوق الرسائل Offline. وفى قصة "فركة كعب" تأتى سريدة الفقد لعلاقة لا تكون إلى فى الخيال، خيال يسرع ليتوقف بعبارة: أكيد هتحضرى خطوبتى مش كده؟"، والفقد هو السراب الذى نقرأه فى قصة "ووعدت الشمس بالماء"، عندما تكون الحميمية بلا حميمية، فتسقط فى حيرة السؤال: "أن أشعر بك دونما دلائل واضحة، أفهم ربما ما لم تقله... ثم أتساءل داخلى فى جدية: "هل أعرفه حقا"؟ إنه الفقد عندما تكون الحيرة غربة العلاقات، فلا يكون أمام الشخص إلا التحرر من تهديدات الفقد والانغلاق على ذاته والرحيل.

وهكذا نلحظ أن الرحيل هو مآل قسرى أو طوعى، فهو الحدث الذى تأخذنا الكاتبة إليه فى عجالة فى نهاية العديد من قصص المجموعة، لا شىء يستحق البقاء، والمسافات تفرض ذاتها، وقد يكون الرحيل صامتا وبلا وداع، إنه قرار يتم التعبير عنه بكلمات بسيطة وعادية لا تشى بأى قرار: "لازم أمشى... قوام كده... ما أنا خلاص خفيت". وتأتى رهافة الرحيل فى قصة "يقين"، عندما يسيران إلى جوار بعضهما فتكتشف أن طيفا، طيف الأخرى، يسير معهما إلى جواره، لترحل فى هدوء متساءلة إذا كان هو الآخر قد لمح طيفا يسير إلى جوارها؟. وفى "صانع العرائس"، يأتى الرحيل فى رسالة مباشرة لأنها رفضت أن تكون تكرارا لعرائسه المسحورة.

إن مجموعة "لا عزاء" القصصية للكاتبة ياسمين إمام المكتوبة كأنفاس متقطعة، هى سرد لعلاقات متقطعة فيها الكثير من الفقد والقليل من الافتقاد، وهى مسارات سردية تفضى إلى الرحيل الطوعى، والهروب فى أو إلى ذات تجد حريتها فىالرحيل أو البكاء.

وربما يطال الفقد الكاتبة ذاتها وهذا ما نستشفه فى إهدائها الذى تستهل به مجموعتها، حيث تهديها لذاتها التى لم تعد: "إلى فتاة كنتُها، ولم يعد لدى منها سوى بعض من ملامحها".


المقال على الموقع الأصلي مبتدأ 


In a World That Hates Joy, Do You Dare to Be Happy?

  Can happiness be a crime? And how can you live happily among people who despise joy? " The Joy Seeker " is a satirical comedy pl...